لَديّ تاريخ عائلي مَرضِي لأنواع مختلفة مِن مشاكل الجلد والحساسية. لِذا فَقد وُلدْتُ مُصابة بِالإكزيما المُزْمنة. بَشرتي حساسة للغاية والكثير من المواد المثيرة للحساسية مِثل الغبار، وما إلى ذلك، تُثير لَديّ الحكة.
مناطق محدودة مِن جلدي لَم يَعُد بِإمكانها إنتاج المِيلَانِين المسئول عن لون البشرة لأنني أقوم بِحَك هذه المناطق كثيراً. فِفي بعض الأحيان أقوم بِحَك جِلدي بِطريقة هِسْتِيرية إلى أن ينتهي بِي الأمر بِظهور بُثور عميقة أو جروح مفتوحة. وَيُمْكِنك تَخَيُّل كيف يكون من الصعب أحياناً أن تقوم بِالاستحمام أو استخدام المناديل المُبللة .. وَلِعلاج المناطق المُصابة و المُتأثِرة مِن جَرَّاء الحَكَّة الشديدة أقوم بِاستخدام ” كِريمات سْتِيرُويْدِية “ قوية وفعالة جداً.
أتذكَّر حِينما كنْتُ فِي المدرسة، كان هناك أطفال لا يريدون الإمساك بِيدي أو لَمس جِلدي لأنهم اعتقدوا أنني مُعدية.
وَمع الأسف، أدَّتْ سنوات مِن الحَكَّة إلى أن قام جسدي بِتطوير هذه الأنماط الغريبة وَالتي تُشبه الخطوط السميكة شديدة التصَبُّغ(غامقة اللون) عَلى أجزاء مِن جسدي والتي أَحُكها كثيراً. فَهذا هُو ” مَاكِيلَار أَمِيلُويْدُوسِيس “ وَالمعروف بِ” الدَّاء النَّشَوَانِي البُقَعِيّ “.
أخبرني الطبيب بِأنه حالة جلدية نادرة يُصاب بِها الأشخاص نتيجة الحَكَّة المتواصلة لِجلدهم كَالاحتكاك المُستمر بالأشياء أو الحَكَّة ذَاتِها.
يُعتبَر ” الدَّاء النَّشَواني البُقَعيّ “: مرضاً نادراً يحدث عن تراكم مادة تسمى النَّشَواني في الأعضاء وهذه المادة عبارة عن بروتين غير طبيعي يسمى ” الأَمِيلُويِد “ والذي يَتِم إنتاجه في نُخاع العَظم ويُمْكن أن يترسب في أي نسيج أو عضو. كما أنه يَظهر عادة عَلى هيئة بُقع رمادية بنية اللون مُثيرة لِلحَكَّة تتراوح فِي حِدَّتها مِن معتدلة إلى حادة، والتي تنتشر تدريجياً على شكل بُقع ذات نَمط مُتموِّج يتخلل الجزء العُلوي من الظَهر، كما أنه لا يوجد علاج لِهذا الدَّاء وَلكن قد تكون العلاجات نافعة في التعامل مع الأعراض والحد من إنتاج بروتين الأَمِيلُويِد.
وعندما سألْتُه: ” هل هناك علاج لِهذه الحالة؟ “ قال لِي: ” أنه داخل الأوساط الطبية لَم يَقوموا باكتشاف علاج لَه بَعد، وأخبرني أيضاً بأنه لا يمكن أن يَعِدُني بأنني سَأُشْفَى تماماً مِن هذا المرض أو أنه سيختفي تماماً “. أتذكر أنني شعرْتُ في تلك اللحظة بِاليأس والعجز الشديد والحزن أيضاً. ظَنَّ الطبيب حينها أن السبب وراء قَلقِي وحُزني هو أنني سأواجه مشكلة في العثور على زوج يَتقبَّلُنِي بِتلك الحالة المَرضِية وَأكَّد لِي أنه لا داعي لِلقلق. لَم أهتم وَلَم أُكَلِّف نفْسِي عَناء تصحيح سوء فَهم الطبيب فَبِالرغم مِن أنه لَم يَكُن السبب الرئيسي وراء قَلقِي، إلَّا أنني شعرْتُ بِأنه قد نجح في إثارة تَخوُّف آخر مِن تلك المَخاوف الكَامنة دَاخِلي. ثُم أخبرني أنه يجب عَليّ أن أتجنب الحَكَّة بِشَتَّى الطرق وَمهما كَلَّف الأمر وأعطاني فقط المزيد من الكِريمات والمَراهم للجلد.
والآن عندما تطلب من شخص لَديه تاريخ مرضي مُتعلق بِالإكزيما المُزمنة، وَبشرة جافة للغاية وَلديه تَحسُّس مِن الغبار أن يتوقف عن الحَكَّة فَكَأنَّك تطلب مِن رجل يعيش في مَجاعة ويتضور جوعاً ألَّا يشعر بِالجوع! لِذا، فَمِن أجْل أن أمنع نفْسِي عَن الحكَّة وَتفاقُم الدَّاء النَّشواني لَديّ يجب عَليّ تجنب مُسببات الحساسية التي تُثير هذا المرض. وَيُعَد كَسْر الحَلقة المُتمثلة في ” الحَكَّة ثُم ظهور الخدوش والجروح “ أمراً صعباً إذا لَم تتمكن مِن السيطرة والتحكم في الوسط البيئي الذي تعيش فيه. وَعَلى عكس بيتي، فأنا لسْتُ متأكدة من أن تكون جميع الأماكن التي أتواجد فيها مثل مكان عَملي أو دور السينما أو حتى شقة أحد الأصدقاء مِن أنْ تَكُون نظيفة جداً.
البعض من أصدقائي طيبون للغاية ومتفهمون جداً كَما أنهم عَلى استيعاب تام وَمُتأقلمون مع احتياجاتي بَينما البعض الآخر يفترض بِكُل بساطة، أنني مُدلَّلة وَلديّ اهتمام زائد بِتفاصيل غير مهمة عندما أقوم بسؤالهم مثلاً عَمَّا إذا كانت مِلَايات وَأغطية السرير قد تَم غسْلها جيداً أو ما إذا كانت الحجرة تَم كَنسها وَتنظيفها جيداً .. هل لديهم أدنى فكرة كَم أنه من المُحبط والصعب أن تقضي الليل بِطوله مستيقظاً تقوم بِحَك جِلدك بِطريقة هِستيرية إلى حَد الموت ثُم في اليوم الذي يليه تحاول أن تجد طرقاً لإخفاء تلك الجُروح الناجمة عن هذه الحَكة؟! … فَمُعظم الناس لَديهم إطار عقلي أحادي البُعد ولا يأخذون الوقت الكافي للتفكير وأَخْذ الاحتمالات الأخرى بِعين الاعتبار قبل القفز إلى الاستنتاجات.
أشعر بِالقبح الشديد عندما أقوم بارتداء أي قطعة من الملابس تكشف هذه البُقع والجروح الناتجة عن هذا الدَّاء. عَلى سبيل المثال، أنا أحب سِيقاني وَلكنني أتردد في إظهارهم لأنني أكره أن يُشير الناس إليهما أو يُحدِّقون فِيهما كَما أنني أكره أيضاً تِلك الأسئلة المُتطفِّلة .. فَهُم يعتقدون أنني لا ألاحظ تلك التعبيرات الصادمة على وجوههم وعدم رغبتهم في إزاحة نظراتهم عن تلك الأجزاء من جسدي ولكنني ألاحظ ذلك بِالفعل بَل ويؤذيني أيضاً. تَراهم يشعرون بِالنفور عندما ينظرون إلى تلك الخُدوش والجروح وهي نفس الطريقة التي أشعر بها تجاه نفْسِي أيضاً. فَهُم يظنون أنه لا بَأس مَعي أن يسألونني ” لِماذا لَديّ جِلداً كَجِلد الثعبان؟ “ بَل ويُقدِّمون لي نصائح غير ضرورية دون أن أطلب منهم ذلك. وهذا الأمر بِالطبع يُقلل وَيُحِد مِن ثِقتي بِنفْسي بَل ويجعلني أشعر بِالخزي و الإحراج معظم الوقت. مِمَّا جعلني أعود مجدداً إلى إخفاء تلك المناطق من جسدي بِأكملها.
واحدة مِن أكبر المُعضِلات التي أواجهها كل يوم هي ” كيف يُمْكنني بِحق الجحيم أن أقوم بِإخفاء كل ذلك ويبقى شَكلي جيداً في نفْس الوقت؟ “. فَالتجمعات أو اللقاءات الاجتماعية تُمثِّل لِي صُداعاً لأنها تجعلني أُفكر أَلْف مَرة قَبل ذهابي مَا إذا كَان المكان الذي سَأذهب إليه جيد الإضاءة؟ أُوه لَا، فَلن يَكُون بِإمكاني ارتداء تَنُّورة إِذَن “.
فَأنا أكره بِشكل خاص وَقت النهار لأنه هو الوقت الذي تُصبِح فيه تلك البقع على ذِراعيّ وَسِيقاني أكثر بروزاً.
فَالحديث عن ذلك الأمر إلى أَحَبِّ الناس عَلى قلبي لَمْ يساعدني مطلقاً لأنهم ليس لديهم القدرة عَلى تَفهُّم وإدراك مَدى خطورة هذا الموقف. كَما لا يُمْكنني أيضاً أن أقول أنني أُلقي بِاللوم عليهم. لكن أتعلمون مَا المُثير للسخرية في الأمر ؟! .. أن أُمِّي المُصابة بِالبهاق لا يمكنها أيضاً تَفهُّم مَوقفي. فَهي تعتقد أن الأمر مجرد عَثَرة صغيرة عَلى الطريق وأنني أُعطي الأمر أكثر مِن حجمه بَل وأُزيد الأمر سوءاً. وبِاستثناء مجموعة صغيرة مِن الحسابات على اليوتيوب والإنستجرام، نادراً ما أرى نوعية المُشكلات التي تُعاني مِنها بَشرتي يَتِمُّ الحديث عنها فِي العَامة وأمام الناس.
لسْتُ متأكدة متى سيحدث ذلك لكنني آَمل أنه في يوم من الأيام، سَيكون بِاستطاعتي ارتداء مَا أُريد أن أرتديه بِحق الجحيم وَوَقْتَما أُريد، وَأشعر أنني جميلة ولا أسمح لِلناس أو لِتلك الحالة الجلدية بِالتحكُّم فِي حياتي.
وَمع ذلك فَمُشكلاتي لا تَتوقف عند هذا الحَد. فقد بدأْتُ فِي شَدِّ شَعري وَجَذْبِه مِن رأسي عندما كنْتُ في العاشرة مِن عمري. فَكُلَّما شعرْتُ بِالضغط العصبي أو القَلق، تَنْتابني تِلك الرغبة المُلِحَّة لِجَذب شَعري وَاقْتلاعه مِن رأسي. حتى أنني في بعض الأحيان أقوم بِفعل ذلك لا شعورياً. مِن الممكن أن أقوم بِشَد شَعري لِساعات عندما أكون بِمفردي وينتهي بِي الأمر إلى ظهور بُقع وأجزاء صلعاء خالية مِن الشَّعر في رأسي.
وَكَطِفلة صغيرة، فَقدْ كان معظم ضغطي النفسي وَقلقي مَصْدره البيت. لقد نشأْتُ في وجود أَبٍّ مُسئ وَمُؤذي جسدياً ونفسياً. فَقدْ كان يزداد سوءاً كُلما كان مخموراً. كان يضرب أمي بِقسوة وبِصورة متكررة. حتى أنه كان يفعل ذلك أيضاً قبل ولادتي.
كنْتُ أتساءل كل يوم ما إذا كانت أمي سَتتمكن مِن البقاء حية إلى اليوم التالي بعد كل هذا الإيذاء الجسدي والضرب وَما الذي يجب عَليّ فِعله لِحمايتها مِن هذا الرجل.
كنْتُ أتأكد مِن وقوفي دائماً أمامها كُلما جاء لِضربها. غَيْر مُبالية بِما قد يحدث لِي. حتى أنني لَم أهتم بِكَوْنِه رجلاً يبلغ طوله خمسة أقدام وإحدى عشرة إنشاً أي أن طُوله ” ١٨٠ سم “ تقريباً وكنْتُ أنا كائناً صغيراً لِلغاية أمامه .. لَم أهتم حقاً بِكل هذا. لَقد كانت تَملأُنِي الثقة بِأنني أستطيع التعامل معه وَتَولِّي أَمره. فَفِي أغلب الأيام كنْتِ أنجح في التصَدِّي لَه، وَفِي باقي الأيام الأخرى كنْتُ أتلقى اللّكََمات فِي وَجهي أو كان يَتمكن مِن الوصول إلى أُمي قَبل أن أتمكن مِن حمايتها.
وَعندما كانت أُختي موجودة، أتذكر أنني شعرْتُ حينها بِمزيد مِن القلق لأنني لَمْ أَكُن متأكدة مِمَّا إذا كنْتُ سَأتَمكَّن مِن حمايتهما هُما الاثنتين مِن وَالدِي. ولَكِن مِثْلي تماماً، فَقدْ كانت أختي تُقاتِل هِي الأخرى.
لَقد كُنَّا نعيش في شقة مُكونة مِن غُرفتي نَوم – كان والدِي يعيش في واحدة هُو وَأمي، أَمَّا أختي قبل مُغادرتها إلى الجامعة كُنَّا نحن الاثنتان نعيش في الغرفة الأخرى. فَلَقد كانت حُجرتنا بِمثابة الملاذ والمكان الآمن بِالنسبة لنَا نحن الاثنتان. فَبِمُجرد أن ندخل تلك الحجرة وَنقوم بِغلقها قبل أن يتمكن مِن الوصول إلينا، حينها نكون بِأمان. وأتذكر في ذلك الوقت أنني اعتقدْتُ أن وظيفتي الأولى كانت هي التأكد من أننا نقوم بِهذا العمل بِجدية إذا مَا كُنَّا نُريد البقاء عَلى قَيْد الحياة .. وَعندما كان الأجداد يَأتون لِزيارتنا، كانت أيضاً تلك الغرفة هي المَأوى الذي نعيش فيه جميعاً.
لَا أحد في مَدرسَتِي عَرف بِشيء مِمَّا يحدث فِي مَنزلي. وَلا أحد مِن أصدقائي عرف أيضاً. فَقدْ كنْتُ شخصاً مختلفاً تماماً فِي المَدرسة. أتذكر فِي مَرَّة عندما كنْتُ في الصف الخامس كان مُدرس الرياضيات الخاص بِي فِي غرفة المعيشة يَشرح لِي الدرْس وَفجْأة سَمعنا نحن الاثْنَان صوت صُراخ أمي وكنْتُ بِالطبع أعلم لِماذا. ركضْتُ في الحال إلى غرفتها دون قول كلمة واحدة لِمُدَرِّسِي، فَوجدْتُ والدي واقفاً في رُكن مِن الحجرة وأمي في الركن الآخر. أتذكر تَهديدي لَه في تلك اللحظة بِمُغادرة الحجرة .. وَفَعَلَ.
ثُم بعد ذلك أخبرْتُ أُمي أن تُغلق الباب جيداً قَبل عودته مَرة أخرى. وعندما عدْتُ إلى الجلوس مرة أخرى في مقعدي، سَألني مُدرسَي مَا الذي حَدث .. وَدُون تَردد قلْتُ لَه أن ” أُمي قَد رأَتْ حُلماً سيئاً “.
في إحدى الليالي، كنْتُ في حاجة شديدة لِقضاء حَاجتي والمِرحاض كان خارج الغرفة. رُبَّما كنْتُ حينها في الحادية عشرة مِن عمري وأخبرْتُ أختي أنني بِالفعل فِي حاجة شديدة إلى التبَوُّل وعندما انحنيْتُ لِأَخْتَلِس النظر مِن خلال الفَتحة بين الباب والأرضية لِأتفحص مَا إذا كان المجال بِالخارج آمناً، لكنني رأيته ماراً مِن جانب بَاب الغرفة بِالضبط وقد كان مخموراً. لِذلك، فَمِن الواضح أن استخدام المرحاض الآن لَمْ يَكُن خياراً متاحاً عَلى القائمة. وَفِي الحجرة كانت هناك عُبوة مِن كِريم چِيليت لِلحلاقة وَمِن ثَم قمْتُ بِإزالة غطاء العبوة وتبولْتُ بِداخلها. وَساعدَتْنِي أختي في التخلص مِنها بِوضعها خارج النافذة حتى لا تنتشر الرائحة داخل الحُجرة.
استمر جَذبي لِشَعري حتى بَعد أن انتقلْتُ أَنا، وَأُمي، وَأُختي وَمُدبرة المنزل مِن الشقة لِنعيش بِشكل مُنفصل عن والدِي.
لَم تكُنْ أختي موجودة أغلب الوقت لِذا كنْتُ أنا وَالمُربية مَوجودتين بِالمنزل معظم الوقت. وكانت أمي دائماً خارج البيت في عملها أيضاً.
أعتقد أن تلك المُربِّية هِي مَن أبلغَتْ أمي بِما كنْتُ أفعله بِشَعري وَبِالطبع كان هناك تدخل كبير من أمي. وَظنَّتَا أنني كنْتُ أقوم بِفعل هذا لِنفْسِي لأنني أردْتُ ذلك. أو لأنني أُحب القيام بِذلك. كما اعتقدتَا أنه بِتوبيخي وَتهديدي، سوف أتوقف عن فِعل ذلك. بَل واعتقدتَا أنها مُجرد عادة سيئة مِثل قَضم الأظافر. فَكُلَّما كانت تصرخ أمي في وَجهي مُوبِّخة وَمُهددة بِسبب فِعلي لِهذا الأمر، كلما ازدادَتْ رغبتي في فِعل ذلك أكثر.
قالت لي مدبرة المنزل ذات مرة ب ” المَلَايَالَامِية “ وهي اللغة التي يتحدث بِها سكان جنوب الهِند، ” عَلى الأقل، ضَعِي شَعرَكِ في سلة مُهملات عندما تَنتهين مِن اقتلَاعِه، فَعندها لَنْ أكون مُضطرة للتنظيف خَلفكِ طُوال الوقت “.
كانت مربيتي مقتنعة أن روحاً مَا شريرة تجبرني على القيام بذلك، فَفِي كل صباح كانت تأخذ بعض الفلفل الحار أحمر اللون وَتَلُفه حول رأسي بينما تردد بعض التعاويذ. وَمثلما كنْتُ أفعل مع جلدي لإخفائه بِشتى الطرق، كنْتُ أذهب إلى أبعد الحدود وأفعل كل ما بِوسعي لإخفاء الأجزاء والبقع الصلعاء الخالية من الشعر قبل ذهابي إلى المدرسة. فقد كنْتُ أضع على الأقل من ١٠ – ١٢ دبوساً خاصاً بِالشعر من أجل تثبيت امتدادات الشَّعر التي أضعها.
وَمع أن زملائي كانوا يشعرون بِأن مظهري غريب وأن هناك شيئاً غريباً في الأمر إلا أنني لَم أهتم بِذلك لأنه كان إخفاءً جيداً لِرأسي.
تَم تشخيصي رسمياً عندما كنْتُ في حوالي الثامنة عشرة من عمري حيث أخذتني أمي لزيارة طبيب مختص في الأمراض النفسية والعقلية وذلك بعد أن بدأَتْ تظهر عَليّ أعراض الإكتئاب السَّرِيري.
أخبرنا الطبيب النفسي قائلاً: أنني أعاني من اضطراب قهري لِشد خُصل الشَّعر يُسمى ” ترِيكُوتِيلُومِانيَا “ والمعروف ب” هوس نَتْف الشَّعر “ أو ” اضطراب شَدّ خُصل الشَّعر “ وهو عبارة عن اضطراب نفسي يتضمن رغبة متكررة لِشد الشَّعر مِن فروة الرأس، لا يمكن مقاومتها بِالرغم من محاولة التوقف عن هذا الأمر.
ثُم أكمل الطبيب قائلاً: أنه ينتج أساساً مِن القلق والضغط النفسي والعصبي. وَبِالطبع لَم تقتنع أمي بعض الشيء بِالضغط النفسي أو القلق، فَما هي الأشياء التي يمكن أن تكون لَديّ لِأقلق بشأنها أو أشعر بالضغط النفسي مِن أجلها؟!
بِالطبع فأنا لسْتُ تلك المرأة التي كان لديها زوج مسئ ومؤذي لها جسمانياً ونفسياً أو تلك الأم الوحيدة التي تُربِي طفلين بِمفردها!!
لذلك وَبطبيعة الحال فَأنا مَعفية من أي نوع من المعاناة!!
لا يتم أخذ الصحة العقلية والنفسية بِعين الاعتبار أو يتم النظر إليها بِجدية داخل أسرتي. رُبما إذا تمكنْتُ مِن النجاح في حياتي والخروج من تلك الأزمات وتحمل المسئولية تجاهها، فَمِن الممكن أن يُغيروا نظرتهم تجاه الحالة النفسية لَدى كُل فرد داخل الأسرة أو رُبما لن يفعلوا، فَفِي الواقع لا تبدو معاناتي منطقية مقارنةً بِمعاناة الكثيرين لأنها ليسْت هذا النوع مِن المعاناة كَالاحْتِضار في وجود السرطان أو فَقْد أحد أعضاء الجِسم أو العيْش فِي فقر مُدقِع أو العَوَز الشديد لِذا وَبِسبب كل ذلك، فأنا لسْتُ سوى مجرد امرأة ضعيفة، هَشَّة وَمُتذمرة.
لا أعرف ما الذي تعتقده لكنني لا أعتقد بأن هناك علاجاً ناجعاً ونهائياً للاكتئاب السريري أو القلق، وَلكن كُل ما يُمكنك فِعله أَن تحاول فقط السيطرة عَليه قَدر الإمكان وَمنعه مِن إثارة المشكلات ودفعك إلى السلوكيات المُدمرة نفسياً وجسدياً.
في الأيام الجيدة، أشعر أنني على ما يرام وَبِحال جيدة وفي أيام أخرى، أرغب فقط فِي أن أتبخر نهائياً وإلى الأبد مِن هذه الحياة.
ما زلْتُ أقوم بِشَدّ خُصلات شَعري عندما أشعر بالقلق. بِالطبع ليس بِقدر ما اعتدت أن أفعل ذلك .. ولكن ما زلْتُ أفعل. وَما زلْتُ أيضاً أتعامل مع تلك الأسئلة، على سبيل المثال، تلك الأسئلة التي أسمعها دوماً في صالونات تصفيف الشعر مِثل ” ما الذي حدث لشعرِك؟ “ وما زلْتُ أيضاً أتعامل مع أكاذيبي المتتالية لإخفاء الأمر. ومع أنني قد لاحظْتُ أعراض ال” ترِيكُوتِيلُومِانيَا “ العديد من المرات عَلى نساء أُخريات إلا أنني لَم أواجههن مطلقاً بِهذا الأمر احتراماً لِمساحاتهم الشخصية وَشئونهم الخاصة.
يؤثر اضطراب ال” ترِيكُوتِيلُومِانيَا “ عَلى النساء والرجال معاً وَلكن أثبتَتْ الدراسات الطبية أن هذا المرض أكثر انتشاراً وشيوعاً بين النساء. وأعتقد أنه بِسبب هذا السلوك غَير المَألوف، فَالعديد من الأشخاص لا يتحدثون عَن هذا الاضطراب بِصراحة خوفاً مِن التعرض لِلسخرية. فُالمشكلات المتعلقة بِالصحة العقلية والنفسية أو السلوكيات الناجمة عن تلك المشكلات يصعب التحكم فيها خاصةً إذا لَم تَكُن عائلتك تَتفهمك أو تَدعمك وَتحتويك نفسياً.
ويكاد يكون مِن المستحيل إيجاد مُعالجين جيدِين هُنا في دولة الإمارات بَل والأكثر استحالة أن تستطيع تَحمُّل التكاليف المطلوبة لأن التأمين الصحي الأساسي لَا يُغطي تلك النفقات. هناك بِالفعل نقص واضح في الوعي بِالصحة النفسية والعقلية بَين العديد مِن الأُسَر والأصدقاء والمُؤسسات.
فَالصحة النفسية والمشكلات الناتجة عنها هي جزء لا يتجزأ من المِزاح اليومي للجميع ولكنها ليسَتْ جزءاً من النقاشات والحوارات الجادة والبناءة. فَهُناك أشخاص يُعانون فِي صمت لا يعلم بِهم أحد بِسبب تلك النظرة التي يَنظر بِها الناس للمرض النفْسِي أو السلوكيات الناتجة عنه أو المشكلات المتعلِّقة بِه عموماً .. فَأنا أقترح أن يبدأ الناس في أخْذ الصحة العقلية وَمشكلاتها بِعين الاعتبار قبل أن يقرر أحدٌ مَا مِمَّن يَعرفونهم وَيُحبونهم التعامل مع الأمر بِطريقته الخاصة، والتي قد تكون طريقة مُؤلمة للجميع.
في اللحظة التي يكتشف فيها أحدهم بِأن علاقتي مع أمي متوترة، يقوم تلقائياً بِتجاهلها وَتصنيفها عَلى أنها صراع نَمطي وَطبيعي بين الأم وابنتها.
أَتَعْلم ذلك الصوت بِداخل عقلك والذي يخبرك بأنك ” لن تكون شيئاً نافعاً أو ذَا قيمة في حياتك “ فَهذا الصوت بِالنسبة لِي يُمثل أُمي. وَكطفلة تنمو وحتى وصولي لِمرحلة البلوغ، كانت تُظهر لِي أمي عاطفتها ومشاعرها بِالطريقة التي تعتقد أنها الطريقة الوحيدة الملائمة والصحيحة: كَأنْ تدعمني بِالمال وتعطيني مَا أحتاج إليه مِن النقود وتظن بِذلك أنها قد أدَّتْ دورها تجاهي. لا تُسيئوا فهمي. فأنا على إدراك تام بأنني ما كنْتُ لِأتمكن مِن متابعة ومواصلة أهدافي والعديد مِن الفرص في حياتي إذا لَم تَقُمْ هي بِدعمي مالياً، في تلك الأوقات. وَلكن أَخْبِرْنِي ” كيف سَيكون شعورك حين تُذكِّركَ بِذلك وَبِدعمها لك دائماً في كل خُطوة من طريقك؟ “
عندما يناديني الناس بِالغَنية، أقوم دوماً بِتذكيرهم أن أمي هي التي تكون كذلك وليس أنا لأن أمي تجعل هذا الفارق واضحاً للغاية. وعندما يقول الناس من حولي أنني ” مُميزة عن الكثير من الأشخاص حولي وأنني مُصنفة عَلى أنني ثريه ويقصدون بِذلك أنني ” قد وُلدْتُ وَفي فَمي مِلعقة مِن ذهب “ بِسبب أموال أمي .. ولكنهم ليس لديهم أدنى فكرة بأنني قد دفعْتُ مقابل هذا الثراء ثمناً باهظاً وثقيلاً من حياتي.
في بعض الأحيان تكون الكلمات والأشياء التي تقولها أمي مؤلمة وجارحة للغاية لِدرجة أنني أتعجب وأتساءل ما الذي قد فعلْتُه لأستحق تلك الحياة!!
أرى آباءً يَحملون مِن العطف والحنان واللُّطف تِجاه أطفالهم مَا لَم أشعر به طوال حياتي وحين يتحدثون مع أبنائهم يتحدثون بِطريقة طبيعية دون التحقير منهم أو التقليل من شأنهم مما يجعلني أشعر بِكَمٍّ هائل مِن الغيرة والحزن في نفس الوقت،،
” فَما هي الثروة التي تُقَارن بِعلاقة سليمة بين الآباء وأبنائهم؟ .. لَا شيء. “
” فَالعلاقة الأُسرية السليمة الناجحة بين الآباء وأبنائهم لا تُقدَّر بِثمن “
أعلم جيداً أن أمي قد مرَّتْ بِالكثير في حياتها. لَقد نشأَتْ فِي فَقر وَعَوز شَديدين لِعائلة لَم تعاملها أبداً بِطريقة جيدة. تزوجَتْ رجلاً لَم يُنفق سنتاً واحداً عَلى عائلته وكان مؤذياً ومسيئاً لَها جسدياً ونفسياً. أعلم جيداً أن الأوضاع في بيتنا لَم تَكُن عَلى ما يُرام بَل كانت سيئة للغاية لِدرجة أننا لَم نتمكن حتى من شراء عُبوة واحدة لِوجبة خفيفة من كنتاكي. وأعلم أيضاً أنها كانت مضطرة للقتال في ظروف سيئة ومواجهة الكثير من العقبات للوصول إلى حيث هِي الآن. كما أنني أعلم أن كل هذه الأمور كان لها أثر بالغ عليها وأنها تحمل الكثير من الألم بِداخلها. ولكن بدلاً مِن إيجاد طريقة سليمة لاجتياز هذا الألم، كانت تَكتفِي بِإخراج هذا الألم الكَامِن بِداخلها عَلى هيئة غَضب تَصُبُّه عَلى رُؤوس أقرب الأشخاص إليها. أتذكر مُشرفي في المدرسة الثانوية الذي أخبرني بِأن الشجارات والمشاحنات بيني وبين أمي هي فقط فترة مؤقتة والتي سَتَخْمد حالما تَكْبُرين وَيزداد سِنُّك مَع الأيام. لَقد كان عُمري حينها ١٦ عاماً وأنا الآن ٢٩ عاماً. وَلَم يحدث شيء وَلَم تهدأ تلك الشِّجَارات بيننا.
لسْتُ متأكدة هل هذا بِسبب الثقافة الهندية فقط أو المجتمع بِشكل عام، فِي الهند نُوقِّر كبار السِّن، خاصة آباءنا وهناك قاعدة تنص بأنه لزاماً علينا احترامهم بغض النظر عَمَّا إذا كانوا مُخطئين في حق أبنائهم أو كانوا سبباً في تدميرهم نفسياً أو جسدياً. فَفِي عَين المجتمع، إذا هُم قاموا بِإطعامك، وَتوفير المَلبس لك، وقاموا بِتَلبية احتياجاتك المادية، فَأيُّ شيءٍ يفعلونه أو يقولونه حتى وإن كان هذا الشيء سلبياً ومسيئاً ومؤلماً لِأبنائهم .. فَلا يَجب أَنْ يُحمل هذا الشيء ضِدهم.
تَخيَّل أنك حين تحاول التوضيح لِشخص من نفس المدرسة الفكرية أَي نَفْس طريقة التفكير، أن علاقتك بوالدتك مُتوتِّرة وَمُؤذية للغاية مِمَّا جَعلَك تحاول الانتحار .. وَلكن كَلماتَك بِدون جَدوى. فَهُم فقط ينظرون إليك كَما لَو أنَّك غير منطقي بل وَمُدلَّل.
الآباء لَيْسوا مثاليين. فَهُم يرتكبون الأخطاء أيضاً، أتساءل لِماذا يجعل معظم الآباء أبناءهم يشعرون كَما لو أن آباءهم يُسْدون إليهم معروفاً بِدعمهم لَهم بَينما الآباء هُم مَن قَرَّرُوا في الأساس إنجابك لِهذا العالم؟!
ذات مرة أصبحَتْ الأمور في البيت سيئة للغاية بَل وازدادَتْ سوءاً لِدرجة أنني قد اكتفيْتُ مِن كل هذا الألم وقمْتُ بِالركض ناحيه الشُّرفة إلا أن أمي تمكنَتْ مِن إيقافي.
دَعوني أخبركم شيئاً: الآباء السيئون الذين يَتفنَّنُون في إيذاء أبنائهم وَأُسرهم موجودون بِالفعل، فَهُم يُخرجون مِن تحت أيديهم جيلاً مُحطماً ومُهشَّماً مِن الداخل، جيلاً منهزماً، ومكتئباً، جيلاً تملأه العُقد والأمراض النفسية والجسدية والذين سَيُصبحون في يوم مِن الأيام أفراداً بالغين يحملون نفس الصفات لا مَحالة، والمؤسف في الأمر أنه في معظم الأحيان يكون من الصعب كَسْر أو تغيير هذا النمط الذي نشأ عليه هذا الجيل من الأطفال لأنهم يَشُبُّون عليه بِمعنى أنهم يَكْبرون وهذه الصفات السيئة تظل راسخة في عقولهم.
فَأُمي لا تُقَدِّرني لأنني ما زلْتُ أعتمد عليها ولكن الغريب في الأمر أنها لا ترغب في نفْس الوقت أن تدعني أذهب أيضاً.
مِن القاسي والصعب جداً أن تُقنع نفْسك بأنك شخص جيد بَينما يُخبرك الشخص الذي أنْجَبك إلى هذه الحياة بِعكس ذلك. فَهُو صعب علينا نحن الأبناء لكنه ليس مستحيلاً بِالنسبة للآباء المُسيئين لأبنائهم.
أُعجب بِهؤلاء الأشخاص الذين تَمكَّنوا مِن قَطْع صِلاتِهم وَرَوابِطهم مع آبائهم الذين يُسيئون إليهم وَيقومون بِتدميرهم نفسياً أو جسدياً لأنني أعتقد أن هذا الأمر يحتاج لِنوع خاص مِن الشجاعة والإقدام لِفعله. فأنا لسْتُ متأكدة من أنني سأتمكن يوماً من فعل ذلك لأنني أشعر يقيناً أنني مَدينة لِأمي كثيراً. لَكنني نويْتُ بِالفعل الذهاب بعيداً وَشَق طريقي بِمفردي للمُضيّ قدماً في حياتي وَعدم الاعتماد عليها بَعد الآن.
حسناً، شيء آخر بَعد. هل تتذكرون ” مَخبز هَاني “ ؟ .. كنْتُ أعيش عَلى بُعد مَبنيين مِن هذا المخبز وأعتقد أنه في ذلك الوقت لَم تَكُن حالتنا المادية جيدة وَلَم تَكُن مستقرة. كُنَّا نَسكن في شَقة مُكونة مِن غرفتي نَوم وقام وَالدَايّ بِتأجير حجرة واحدة مِن الحجرتين داخل الشقة التي كُنَّا نستأجرها مِن شخص آخر. وَلفترة مِن الوقت، كانت تلك الحجرة فارغة. أعتقد أنني كنْتُ في الثالثة أو الرابعة في ذلك الوقت حَيث أَخذني أحدهم إلى تلك الحجرة. كان الوسط من حولي معتماً تماماً وأتذكر أنني كنْتُ مُلقاة عَلى ظَهري وأحدهم كان يعبث بِجسدي ويتلمس بِشفتيه وَلسانه أجزاء معينة مِن جسدي. لا أتذكر بِالضبط مَن فعل ذلك. وفي الواقع لا أعلم ما إذا كان هذا الشخص رجلاً أو امرأة. مرَّتْ عَليّ أوقات كنْتُ أعتقد فيها أن ما حدث لي حينها كان جزءاً مِن حُلم ولكن لَا . فَقد ظل هذا الأمر راسخاً في عقلي وانتقل معي مِن الطفولة إلى البلوغ، فَلو كان حُلماً فَمِن المؤكد أنه سَيُنسى وَلكن بقاء هذا الأمر دليل عَلى أنه حقيقة وأعلم أنه حدث بِالفعل.
أتذكر هذه المَرَّة الأخرى عندما كنْتُ في الحادية عشرة مِن عمري وكنْتُ عائدة إلى المبنى الذي يتواجد فيه منزلي بَعد نزولي من حافلة المدرسة. كنْتُ قد بلغت في وقت مُبكر جداً وَبدأ جسدي يتطور بِشكل سريع من ظهور علامات البلوغ في سِن مُبْكِرة. حيث بدأَتْ دورتي الشهرية النزول في سِن العاشرة وبدأ ثَدياي في النمو و الظهور في سن الحادية عشرة وفي تلك الفترة من حياتي كانت أمي تقضي معظم وقتها في العمل بعيداً عني لذلك لم أحصل أبداً على هذا ” الحديث الخاص “ الذي يَدُور بين كل فتاة وأمها خصوصاً في مِثل ذلك الوقت من حياة الفتاة. دخلْتُ المصعد وكان بِداخله رجل، وَبِمجرد أن أُغلق باب المصعد اقترب مِنِّي هذا الرجل وَضغط بِجَسده في مواجهة جسدي مُلامساً إياه وبدأ يَتلمَّسني بِشدة. ظل يقول حينها أنه يحبني. لا أتذكر شيئاً بِقدر ما أتذكر أن هذا الأمر قد أذاني وآلمني جداً. كَما أنني أتذكر كَم المعاناة فِي محاولتي لِدفْعه بعيداً عني. ثُم في النهاية فُتحت أبواب المصعد ولكن علَى الطابق الذي يسبق طَابقي ولكنني استطعْتُ الهرب بِمجرد أن فتح الباب وركضْتُ إلى الطابق الذي أسكن فيه مُستخدمة الدَّرج عبر مخرج الحريق. أتذكر كَم كنْتُ خائفة من النظر خلفي لأنني اعتقدْتُ أنه كان يُطاردني. أتذكر شعوري بِارتياح شديد عندما خَطتْ قَدمايّ عتبة المنزل وحينها تنفسْتُ الصَّعْداء .. ولَم أُخبر عائلتي مطلقاً بِهذا الأمر.
بعد ذلك، خلال السنة الأولى مِن الدِّرَاسة الجامعية، أصبحْتُ صديقة لِفتاة والتي أتَتْ مِن عائلة مُحافظة جداً. استمتعْتُ كثيراً بِصحبتها لكنني أدركْتُ لاحقاً أنها كانت تستخدمني بِشكل أساسي كَعُذر لِتُقابل صَديقها. كان صديقها هو هذا الشاب الهندي المُتعجرف وَسيم الهَيْئة والذي لَم أحبه مطلقاً لكنني لَم أقُلْ شيئاً احتراماً لِصديقتي. تلقَّتْ صديقتي مُكالمة هاتفية مِن والديْها عَلى هاتفها النقال وكان عليها أن تغادر المكان وَعَلى الفور. لذا فَقد كنْتُ أنا وصديقها فقط. ظَلَّ يتحدث إليّ ثُم بدأ في إخباري أنه يحبها لكن لديه أفكاراً وأشياء أخرى في رأسه يريد تحقيقها. لم أحب الوضع مطلقاً ولا الطريقة التي يَسير بِها الحديث بَيننا لذلك أخبرْتُه أنني بِحاجة إلى العودة سريعاً وَعرض عَليّ حينها أن يُوصلني إلى سَكني. وَفِي الطريق أخبرني أنه بِحاجة إلى التوقف سريعاً في غرفته بِالفندق لأنه قد نسي شيئاً مَا وأخبرني أن انتظاري داخل سيارته بِمفردي لَن تكون فكرة جيدة. فَذهبْتُ معه إلى غرفته بِالفندق. لكنه دفعني بِقوة إلى السرير وبدأ في انتزاع التُّوبْ الذي كنْتُ أرتديه، وعندما قاومْتُه صَفعني قائلاً، ” إذَا كنْتِ تحبين .. “
تمكنْتُ أخيراً مِن دفعه بعيداً عَنِّي تماماً وصرخْتُ فِي وجهه. ظل حينها يعتذر مني كثيراً وأصر عَلى أن يُقلني بِسيارته ويعيدُنِي إلى السكن. كانت الساعة قد تخطَّتْ بِالفعل العاشرة والنصف مساء لِذلك وافقْتُ عَلى مَضض بِأن يُقلني إلى السكن. وطوال الطريق الذي تقطعه السيارة، توسَّل إلي ألا أخبر صديقتي بما حدث وأن إخباري لها قد يُفسد الأشياء بينهما. لكنني لَم أنطق بِكلمة وبقيْتُ هادئة وغادرْتُ السيارة مُسرعة بِمجرد أن ركَنها. بعد يومين مما حدث اكتشفْتُ أنه هو من أخبر صديقتي أن شيئاً قد حدث بيني وبينه. كَما أنه تلاعب بالأمر وجعلها تصدق كما لو أن ما حدث كان بالتراضي بيننا. وَمِن ثَم قطعَتْ علاقتها بي.
حادثة أخرى حدثَتْ لي مؤخراً، حيث كنْتُ مدعوة لِحفل عيد ميلاد صديق مقرب جداً مِنِّي في النادي. لَم أكُنْ أعرف أحداً بِاستثناء فَتى العِيد مِيلاد(صاحب الحفلة). فالشباب الذين كانوا معه في مجموعته، كانوا يحاولون التقرب مِنِّي لكنني رفضْتُ، حتى أن أحدهم حاول إجباري جسدياً على الشراب. تأخر الوقت بِالفعل وَلم يَكُن هناك أحداً متوجهاً إلى نفْس طريقي. لذلك تَقرَّر أن أنتظر في شقة الفندق مع الجميع. كنْتُ أتوقع أنني سأمكُث وأتشارك إحدى الشقق مع الفتيات ولكن ذلك لََم يحدث. وفتى العيد ميلاد كان ما زال يتعامل مع هراؤه لِذلك لَم يَكُن يجيب على اتصالاتي في الوقت الذي تأكَّد فيه أصدقاؤه الشباب مِن أنني سَأكون في نفْس شقة الفندق مَثلهم، كَما أنهم تأكَّدوا أيضاً مِن أنني لَن أتمكن مِن الوصول أو الدخول إلى الشقة الأخرى. لَم يحدث شيء في بداية الأمر. حيث قام واحد مِن هؤلاء الشبان بِاصطحابي إلى حجرة كبيرة من الشقة وَأكَّد لي أنني سَأبقى فيها بِمفردي فَهِي كُلها ملككِ وافعلي ما شِئْتي فيها، وَلن يدخلها أحد آخر .. وَصدقْتُه.
في وقت لاحق وَمُتأخر من تلك الليلة، اقتحم اثنان مِن هؤلاء الشبان الحجرة وقاموا بِلمْسِي بِطريقة غير لائقة، أمسكوا بِيدي وَحاولوا إجباري عَلى أن أقوم بِالإمساك بِأجزاء خاصة من جسد أحدهم والقيام بأشياء غير لائقة ثُم حاولوا بَعد ذلك انتزاع ملابسي.
في صباح اليوم التالي، دخل شاب آخر الحجرة وأمسكني بإحكام شديد لأنه أراد أن يشعر بأثدائي في مُقابلة صَدره وَمُلامستها له، عَلى مَا يَبدو.
وَبعد مغادرتي لِهذا المكان، أخبرْتُ صديقي بِما قد حدث وَكَم كنْتُ مُنزعجة وَمُرتبكة حينها وَكَم كنْتُ أشعر بِالخوف والضعف وأنني قد اتصلْتُ به كثيراً لكنه لَم يُجِب على اتصالاتي وبدلاً من مُواساتي في ذلك الوقت، كان منشغلاً بِالدفاع عَن نفْسِه وانتهى بِنا الأمر بِالشجَار. كَما أنني اكتشفْتُ لاحقاً أن الفتيات في مجموعته اعتقدْنَ أنني بقيْتُ مع هؤلاء الشبان بِكامل إرادتي وَعن طيب خاطر.
أتعلمون .. ” ليس دوماً الغرباء هُم الذين بِإمكانهم فعل ذلك بك أو أذيَّتك ،، فَقد يَأتيك الألم والأذى مِن أقرب الناس إليك.
الحادثة الأخير في قائمتي السوداء .. كنْتُ أقوم بِزيارة إحدى المُدن وَدَعانِي أحد أصدقائي السابقين لِلبَقاء فِي منزله حيث كانت والدته تعيش مَعه. لِذلك، قبِلْتُ الدعوة.
في إحدى الليالي، عدنا إلى المنزل مُتأخرِين إلى حد ما وكان مخموراً. بَادر بِالأمر وأخبرْتُه أنني لا أريد فِعل ذلك ولسْتُ مهتمة. تجاهل رَفْضي واستمر في وَضْع يديه داخل الچينز الخاص بي. انسحبْتُ مُبتعدَة عنه وذهبْتُ إلى داخل الحجرة. لكنه تَبِعني إلى هناك وألقى بِنفْسه فَوقي وقام بِنزع ملابسي. ظللْتُ أقول له ..لا، ولكنه َلم يَستمع إليّ.
كانت والدته نائمة بِالحجرة المُجاورة. ومَع ذلك انفجرْتُ باكية وكان ذلك عندما توقف.
حتى يومنا هذا، يَعتبرني الجميع أنني المسئولة الوحيدة والرئيسية عن تصرفاتهم وأن المسئولية بِأكملها تقع عَلى عاتقي. كَما يخبرني الجميع نساءً ورجالاً بأنه كان عَليّ أن أعرف هذا بِشكل أفضل، وأن هذا الذي حدث مَعِي هو مُا كَان أطلبه وأريده مِن الأساس.
لَم أُشْفَ تماماً مِن أي شيء مِن هذا وَلَم تَلتئِم كل تلك الجروح بَعد وأقصد بِالجروح هُنا تلك الجُروح التي بِالداخل. لكنني ما زلْتُ أعمل على ذلك وما زلْتُ أسعى جاهدة للتخلص مِن آثار كُل تلك الجروح وُمَحو الذكريات المُرتبِطة بِهذه التجارب السيئة. وأتمنى أن يستفيد وَلَو شخص واحد مِمَّا قد شاركته مَعكم للتَّو. وَآَمل أن يُساعدني هذا أيضاً.